الجمعة، 10 أغسطس 2012

صندوق الدنيا



 آخر علاقتى به و ربما أولها هى صورته الفوتوغرافية فى ذاكرتى من رواية والدى-رحمه الله- له أو رؤيته فى الأفلام 
المصرية القديمة و ربما فى أوبريت الليلة الكبيرة ..

ولكنى لم أكن اتخيل أن عالمنا اليوم سيهدى مرآى هذا الصندوق الكبير..وأنه سيهدى مخيلتى كل هؤلاء المتفرجين الناظرين من العدسة ... ترى ماذا يرون؟
سأبدأ بنفسى و قد إتخذت متأكاً و دنوت من الدائرة الزجاجية، بوابتى إلى العالم الغامض داخل الصندوق المنغلق..قربت..نظرت..سرحت..ماا رأيت؟

رؤيتى مصرية.. رأيت مصر..رأيت طيبة وصبر و جلد وعظمة..

وهل تُرى هذه الأشياء؟ نعم إنها أشياء تُرى فى كيان اسمه مصر.

.رأيت خير وفير لم ينقطع رغم الأزمات..رغم السرقات و النهبات..رأيت أرض خضراء لازالت تعطى و تكرم و تشكر و تسبح رغم التجريفات.. رأيت محصولا يتراقص بين يدى الفلاح رغم المناجل و القصعات..

رأيت تنوع و إختلاف و مزيج من الشرق للغرب ومن الشمال و الجنوب فى اللون و الطبع واللغات و العادات..

و هل تُرى تلك الاشياء؟ نعم، تُرى فى كيان اسمه مصر ..سيدة الرايات

رأيت ألوان كهرمانية شفافة ربانية..أين هذا المكان.. وذاك..إنه فى مصر البهية..يا الله..كم لازالت تملك بلدى من الأسرار و كم قصة لازالت لها معها بقية؟؟

مصر..ثلاثة أحرف مليييييئة بالتاريخ..ملييييئة بالثقافات و الأحداث و التناقضات..مليييئة بالعشق و السحر الذى سلب قلوب وعقول الشعراء والمؤرخين وأصحاب الغزوات والغارات...

رأيت ثلاثة أحرف ذُكرت فى ثلاث ديانات ..فى توراة فى إنجيل فى قرآن بين الصفحات..يقرأها و يذكرها كل لسان آمن بالله و رسله و أخذ من على أرضها العبر و المعجزات...

أرى جَدّ و كَد و تعب و عرق رغم الفقر إنما كالوتد..أرى نساء متشحات بالسواد فى منازل طينية و لكن عند الحرب.. ست ب 100 ولد..

أرى أرستقراطيين و ملوك وسلاطين... كيف يارب مزيج المرمر مع الطين؟..كلاهما زكى فى مصر مجمعة المتضادات...

فى مواجهتى يجلس ذو الذقن الطويل،أبيض فتيل جنب فتيل، ماذا يرى يا تُرى؟

 يرى مصر أحد إمارات الخلافة الكبرى...مركز الحكم والقصر المشيد..مركز القيادة و منزل الحكم الرشيد..فرمان و حدود و حلم جديد كان فى خُلد الإخوان منذ أمد قويا كالحديد...تكميم أفواه لمن يقول فى الخليفة ما هو عن الرضا بعيد..وهيهات هيهات..كانت الحرية أضغاث أحلام ذهبت مع الريح وذهب معها حلم كل شهيد...

جانبه يجلس شاب، خرج من العدم و نفض عنه أتربة الزمن المتراكمه عليه و على عقله ومسح عن عينيه عتمة الضعف و الإستسلام..شاب شق صوته صمت الخذل والضعف المصرى..يطوف مع عينيه داخل الصندوق صوته وهتافاته و فى قلبه صورة الشهداء أصدقائه..ينادى و يرج.. وتعلوا معه مصر وعنه لقنابل الغاز تصد.."إبنى، إياكم وأن تمدوا عليه اليد..حبيبى، صغيرى، قام وانتفض.. ومن أجل رفعتى فى شوارعى رج الأسفلت و ركض.. ونام و ربض... و لمكانه أن يبرحه رفض..إلا لما يجيب كرامتى و حقى كما الله فرض..صغيرى علّى وعلّى الصوت..صوتك غالى و مش هيموت..ومهما تعدى السنين وتفوت..إنتوا الصوت لما يحبوا الدنيا سكوت...

....تطرب أذنى بزئير الهتاف ومن سكوته يضطرب القلب ويخاف و يصيب الثورة جفاف..لكن" لا "وبعدها الآلاف..صوتك يصدح ويملى الكون ويرجع ويعلى زى سارينة الإسعاف..يابلدى ما نسيناكى ده إنتى فوق الراس وعلى الأكتاف..إحنا هنا و مسيرهم بعظمتك الإعتراف..


..يسرح نظرى و أسرح معه بخلدى إلى أن يصتطدم فى الركن بعين جاحد، أنانى لمصلحته فضّل وقال"تغور فى داهية البلد".. آآه يافلولى ياواطى إن شاء الله دايما تعيش فى كبد...شايف مصر إزاى ياللى رضيت تكون للفساد وتد؟

مصر، مغارة على بابا و إحنا الأربعين حرامى واقفين على بابه...صندوق مجوهرات و مال و ياقوت و مرجان..إكبش منه كمان و كمان..وإعمل من الفلوس هضاب و تلال..تنفق عمرك كله تطلعهم وماتوصل لقمة الجبال...
صدقنى مسيرك تنزل من قمة مالك و إنت فى قمة الإذلال..ويوم جهنم تصرخ من حرارة ما كنزت من السلال..
وعلى الباغى تدور الدوائر ياللى كنت دايما عدو للحلال...

فى الركن البعيد الهادى، قاعد ابن العم بينادى، من النيل للفرات بلادى..حلم يكيد كل الأعادى..حلم بيقرب كل مايقرب عدّادى..كتبنا فى سينا بالصخور كلمة"سلام" عشان نرجع لها و نديها تعظيم سلام.. مصر،جائزة الشرق الكبرى وحلم ما تطوله الأيادى...


طيب ياصهيونى، يا كلب إنت وبلفور الغليونى..سأنشئ صخرة فى أرض الفيروز ترد عليكم وتقول "ده بعينكم أن بأرجلكم تطأونى، ولا لأرضى أن تنظرون ولا لسكنى أن تتمنون أو حتى تتخيلون ..ولا لقدسيتى أن تتندسون..

ألا بُعدا آل صهيون....ألا بُعدا آل صهيون....

تصفيق خارج العالم الزجاجى يشق أذنى أنا وأصحابى..عم "جميل"بينادى، خلص الفيلم ياولادى..بكرة تانى معاكم ميعادى..كدة قُضيت الليلادى...نحمد الرب ونبوس الأيادى..

عزيزى الناظر داخل الصندوق..صفّى ذهنك و أنظر بعينيك وأسرح بفكرك و خيالك..وقل لى..ماذا ترى فى صندوق الدنيا؟؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق