السبت، 5 يناير 2013

بلا عنوان .......


لن أكتب الزمان ولا المكان ..لأنى أعيش فى تلك اللحظة فى مكانين..قلبى يحب بلدا و تعلق بأخرى...
لأول مرة أشعر بالخوف من بلادى...إستأذنتها فى الرحيل عنها لمدة أسبوع إلى سيدة البحار...ذهبت، طرت، ودعت حبيبة القلب من السماء، أرسلت لأراضيها الخضراء قبلة وداع مؤقت و هتف قلبى داخل جنبات جسدى "أحبك يا مصر"..وقفت جفونى عائقا أمام دموع عينيّ تمنعهما من الخروج والإنسياب على وجنتىّ...تابعت خريطة الطائرة، لازلت بين أركان بلدى الحبيب،أتبسم على أسماء قرى تُرجمت بالإنجليزية على شاشة الطائرة التابعة للخطوط البريطانية، أسماء قرى أنا نفسى لم أقرأها من قبل J... طرت، على الأسكندرية (آخر طرف من منديل مصر الحريرى) مررت، ودعت أخيرا حدود بلادى و فى مجال العالم الجوى دخلت....ساعات و ساعات، مررت على بلدات وبلدات حتى بلغت الخمس إلى أن أتى الهمس بأننا نطرق باب السحاب، سحاب سيدة البحار، نهبط وسط الغيوم، أنتظر ملاقاة عجلات الطائرة بممر العالم الأرضى و أنتظر على اساسها تقييم الطيّار...تتلاقى العجلات بالأرض فى مهارة فائقة وتتلاقى معها قلوب المسافرين بالانفاس التى حبسوها طوال فترة الرحلة لتخرج تحيتنا للطيّار فى تصفيق كما تخرج صواريخ الإحتفالات بالعام الجديد...وصلت ثم على أرضها ترجلت...لصقيعها إستنشقت، لمربيتى الآتية منها تذكرت..هى بريطانيا التى للغتها تعلمت و أتقنت والتى عن جامعاتها سمعت..هى بريطانيا التى لكتبها قرأت والتى بين جنبات صفحاتها سافرت والتى لطوابعها جمعت و التى على قصصها كبرت والتى لكتابها قرأت و أمتحنت...أخيراً سأرى من إرتبط تعليمى بها منذ بلغت الأربع سنوات وأنا بين ذراعى مصر الدافئة..إنها بريطانيا العظمى...

إن كانت مصر أمى فبريطانيا معلمتى و مربيتى التى تقت إليها لأخبرها بما تعلمته من أدبها و تراكيبها وكيف أتقنت لغتها و كيف أننى أعمل فى أحد مؤسساتها ... وفى نفس الوقت حمل ضميرى عتاب عليها..فهى من باع فلسطين-أرض لم تمتلكها- لمن لا يستحقها..منتهى العبث! و هى أيضا من جاء فى عدوان ثلاثى غادر على معشوقتى مصر..منتهى الجبروت!
"صبرا يا ضميرى...دعنا نراها كيف ستكون سيدة البحار"..همست لضميرى و بقدمىّ مضيت فى طريقى..
أول ما إحتضننى فى مطارها هو بوستر كبير عريض يؤكد سيطرة المؤسسة التى أعمل بها على مملكته الإنجليزية فى مطار "هيثرو" كما يؤكد الأسد فرض سيطرته على عرينه وعلى رقعته بالغابة...
بهدوء و نظام ومهنية متناهية أنجزت إجراءات دخولى لمعلمتى ...إستقليت الحافلة التى كان سائقها متمركزا يمينا (عكس المعتاد عالميا) ممسكا بالمقود و عليه فكان علىّ أن أتوجه لليسار لأجد باب الركوب J ... جلست وأنطلقت الحافلة الأنيقة النظيفة تعرفنى على شوارع بريطانيا، وقفت البيوت الصغيرة المتراصة تستقبلنا فى نمط فنى جميل و مبهر من بساطته ونظافته..وقفت المحال تغازل عينيّ وأناقة الإنجليز تلون مخيلتى وتترجم سطور الروايات المطبوعة فى ذاكرتى....

توقفت الحافلة أمام الفندق وكأنها تغازلنى" سأتركك هنا تستكشفين باقى لندن التى أمسكتى بصورها الرمادية فى مخيلتك طيلة تلك السنوات..إنها مهمتك الآن"..

لن أطيل عليكم فانا لست على هذه الصفحة البيضاء لأصف لكم احد أجمل 7 أيام فى حياتى لكن لأبلغكم بما علمته لى لندن فى الكام يوم دول...
و لكن قبل ان أبدأ، أى تافه و سطحى سيقول لى الجملة الخايبة المعروفة "عقدة الخواجة" يمكنه أن "يغور" من أمام صفحتى لأننى و بكل صراحة لن أتحمل أى من هؤلاء السفهاء قصيرى النظر مصمتى العقول ! للأسف الخواجة طلع محترم و جد وبيشتغل مابيتكلمش..عشان كدة عرفت إحنا ليه عندنا عقدة من الخواجة!!! لك كل الحق إنك تتعقد من الخواجة يا.....

سأبدأ من يوم عودتى لمصر، أمى..كل ما أتذكره أنى إرتميت فى حجرها أبكى، ولكن ليس لأنى إفتقدتها هذه المرة بل لأنى شعرت بالحزن لأجلها.....
تمسح بيدها على رأسى، تسألنى" مالك يا إبنتى؟ هل آذتك معلمتك الإنجليزية"؟
جاوبتها: لا والله إنهم أولادك،إخوانى المصريون
كنت أحكى تجربتى اللندنية القصيرة لكل من كان يسألنى "كيف كانت لندن؟" حتى الساعات الأولى من اليوم التالى لعودتى رغم جوعى الشديد للراحة والنوم..لكنى وبكل طاقاتى دون وهن أو ضعف كنت أنقل إنبهارى من أدب وإحترام الإنجليز الجم أو لعلى كان حماسى هو صرخة للمصريين عن حزنى الشديد لما نعيشه من حياة الغاب التى تنحدر بمصر يوما بعد يوم...لعلها كانت صرخة إستغاثة و حرقة قلب فضلا عن مجرد إنبهار و إعجاب بإنجلترا..


أكملت شكوتى لأمى "إنهم أولادك الذين أبوا أن يرتقوا للإنسانية الحقيقية، إنهم أولادك الذين يصممون أن يمكثوا فى المستنقع، إنهم أولادك الذين لازالوا يهدرون الطاقات والكلمات والأوقات فى سب ولعن الحال والإخوان والسلف والمتأسلمين المتخلفين، إنهم أولادك المتأسلمين الملقبين بالإخوان والسلفيين و المجذوب أبو إسماعيل والمستشيخين الفاسدين الكاذبين غنيم وأمثاله الذين أساءوا لك وللإسلام أمام العالمين، إنهم أولادك الذين أحببتهم بصدق فخدعوا القلب، إنه شعبك الذى إختار عن طريق صناديق الديمقراطية من قالوا أن الديمقراطية حرام بكيلو سكر و زجاجة زيت، إنه شعبك الذى أصبح كالشعب الهندى الفقير منذ عقود...بكيت لأننى لم اكن اعرف اننا إنحدرنا لهذا المستوى..ألف خسارة على شعب لا يعرف كم يستطيع أن يكون عظيما كما كان، ألف خسارة على شعب فقد الثقة فى نفسه و فقد المتعة فى ان يجعل بلده فى الصفوف الأمامية من ركب التحضر الأخلاقى قبل المادى والصناعى...ألف خسارة على دولة والله ليست اقل من دول أوروبا..ألف خسارة على وقت مهدر فى السخرية من فصيل أعمى مبتدئ دون العمل بجد و كد على أرض الواقع..ألف خسارة على حقيقة قالها الغزالى عن أوروبا حين قال "رأيت الإسلام بلا مسلمين" و أكملها "رأيت فى بلدى مسلمين بلا إسلام"..رأيت فى بلدى عيون تتفحص وتتمحص تريد لو أن تدب فيها الرصاص، رأيت فى بلدى تحرش ولمس ولمز..رأيت فى بلدى معاكسات وتطاول فى متر الشارع الواحد...

يابلادى أخجلنى أولادك أمام الغرب..فلن تتخيلى الأمان الذى شعرت به فى عاصمة ضمت آلاف الجنسيات والالوان من كل البلدان،شرقا و غربا، متقدمة ونامية...الكل يحترم القانون، الكل متعايش،الكل يحترم بعضه، الكل يألف بعضه،لم يتعرض لى أحد،أو يلمسنى أحد، ونفس الحال لفتيات البلد فائقات الجمال...



رأيت المحجبات يعملن فى المحال فى أمان تام، رأيت العرايا يسرن فى شوارعها بمنتهى الأمان، رأيت إحترام المرور، رأيت آدميتى التى تقت إليها، بهرتنى النظافة، رأيت نظرات الإعتذار الصادق فى عيون من كاد أن يصدمنى أو يعترضنى على سلالم المترو الكهربائية ، رأيت شهامة من أناس لا نعرفهم كانوا يساعدوننا فى حمل عربة الأطفال أثناء صعودنا على الأرصفة....
هل تصدقين بلادى أن يوم رأس السنة "حيث يسكر الأوروبيون " تمكنت من الذهاب أنا وصديقتى إلى أقرب نقطة للإحتفال بأمان وسلام دون أن يعترضنا أحد السكارى...والسر فى البوليس اللندنى الذى لم أرى بجانبه سيارة أمن مركزى ولكن أحصنة عريضة المنكبين كالسيارة ال"هامر" تعلن عن قوة راكبها ...شموخ وهيبة و نظام و مهنية فائقة....


حبيبتى، لم أكن أحب أن أكون "رمانة الميزان" التى تزيد من وزن أحزانك و لكنى آسفة لأن أقول لك أنى أفكر مليا فى الهجرة.. فما كان على البال ولا على الخاطر، ولا هو عنك تخلى ولا إستسلام فاجر..لكنى بتت أخاف من أولادك، صرت لا أتحمل حياة الغاب والعهر السياسى الذى نمارسه معتقدين أننا قادة العالم، سئمت من"فهلوة" المصريين الزائفة المتمثلة فى الصوت العالى وفى قوة الذراع، تعبت من الثرثرة والوعود الكاذبة، من مؤامرات أبنائك عليك، سئمت من شعب لا يعرف كم أنت غالية ونفيسة و جميلة كما يعرف الغرب قيمتك....سئمت من قلب إنكسر كثيرا كلما قرر أن يحب بصدق، سئمت من حب متمثل فى أغانٍ وطنية فى الراديو والقنوات، سئمت من تدين شكلى متمثل فى رنات تليفون محمول ولحية قاربت فى طولها المليون..سئمت مشايخ مزعومة بلسان كاذب ملعون....سئمت من حلقات برامج "ممنوعة من العرض"، سئمت من قلوب صادقة "ممنوعة من الحب" سئمت وتعبت يا بلادى...سئمت وتمنيت لو أنى قطعت رقعتك كما أقطع إعلان مهم من صفحة الجريدة فأطويك فى جيبى وآخذك معى بعيدا عن ذلك المكان الملوث...تعبت يا بلدى فأعذرى وهنى و حماستى التى سرقها شعبك ب"نعم" الاخيرة لدستور كان كفيلا بأن يقيس مدى الجهل الذى وصل إليه شعبك.........آسفة بلادى..لا تغضبى منى أو علىّ و ثقى أنى حاولت...لكن أنه نصيبك وقدرك...بلد جميل قليل الحظ....

لن أبخل عنكم بإعترافين صغيرين دغدغا قلبى:
1- وأنا أتنزه بشارع أكسفورد، لمحت مجموعة شباب أجنبى يقولون لصديقهم الذى يستعد للإلتقاط صورة تذكارية لهم "With the Egyptian flag...revolutionary...تنهدت وقلت "آه لو تعلمون ماذا فعل المصريون بمصر
2- إستقبلت العام الجديد من فوق كوبرى "لندن" حيث الالعاب النارية ولكنى على عكس الشاربين والسكارى، قرأت الفاتحة و حمدت الله على نعمة الإسلام و كونى مصرية معتدلة محافظة لها عادات وتقاليد و آداب إنسانية... إنه ديننا الجميل و بلدنا الطيب......
3- لم أشتر تى شيرت I love London لأنى كنت دائما أجاوبه "إننى أحب مصر وفقط مصر"

بلد طيب قليل الحظ .... إنها أنت يا مصر ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق